هدى سعيد اليمني


        
<p>أعلنت الولايات المتحدة وحلفاؤها في أوروبا مواصلة فرض تكاليف على موسكو من شأنها أن تزيد عزلة روسيا اقتصادياً، بحظرها من نظام سويفت العالمي، بالتوازي مع إعلان الولايات المتحدة عن فرض عقوبات على المصارف الروسية التي تبلغ أصولها نحو 1.4 مليار دولار، فضلاً عن حظر 4 بنوك كبرى وتجميد حساباتها، بما يعني استبعاد بعض البنوك الروسية من النظام المالي سويفت، وأن روسيا وشركاتها لن تستطيع إرسال واستقبال الأموال عبر النظام، مما يعطل المدفوعات الخاصة بتجارتها حول العالم. ومن شأن حظر روسيا من نظام سويفت، أن يضر بالشركاء التجاريين لروسيا من الغرب، حيث تعد روسيا المزود الرئيسي للنفط والغاز إلى الاتحاد الأوروبي، وسيظل قرار وقف وصول روسيا لنظام سويفت بحاجة إلى دعم من الحكومات الأوروبية جميعها، والتي يتردد الكثير منها بسبب احتمال إلحاق الضرر باقتصاداتها، حيث تحفظت بعض الدول مثل ألمانيا على هذه النوعية من العقوبات، بينما أعلنت استعدادها للموافقة على فرض "قيود محددة" على روسيا على استخدام منصة سويفت للتبادلات المالية بين المصارف، نظراً لحجم العلاقات التجارية والاستثمارية المشتركة بين البلدين، والتي تجعل ألمانيا الأكثر تضرراً من هذه العقوبات.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">نظام مالي عالمي </span></strong></p>



<div style="height:12px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>يمكن إلقاء الضوء على ماهية نظام سويف العالمي </strong><strong>Swift</strong><strong> وحجم روسيا في هذا النظام وأهميته في التعاملات الاقتصادية الدولية، وذلك على النحو التالي:</strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>1- نظام مالي عالمي للمدفوعات والتحويلات المالية:</strong> نظام سويف Swift هو اختصار لما يُعرف بـ"جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك"، وهو نظام مالي عالمي للمدفوعات والمعاملات المالية بين البنوك والمؤسسات المالية، تم ابتكاره من قبل مجموعة بنوك أمريكية وأوروبية لتوفير نظام آمن وسهل لتبادل الاتصالات بين المؤسسات المالية العالمية، مما يعزز من تدفق الأموال عبر الحدود. وتأسس هذا النظام عام 1973، ويتخذ من بلجيكا مقراً له، ولا يمتلك هذا النظام بنكاً بعينه أو مؤسسة مالية ما، بل هو مملوك بالأساس بشكل مشترك لأكثر من 2000 بنك ومؤسسة مالية.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2- روسيا ثاني أكبر الدول في نظام سويفت:</strong> تعد روسيا الدولة الثانية بعد أمريكا في عدد مستخدمي نظام سويفت الذي يربط بين أكثر من 11 ألف بنك ومؤسسة في 200 دولة حول العالم، منها 300 مؤسسة وبنك من روسيا، ويتم استخدام هذا النظام في سداد الالتزامات المالية للاستيراد والتصدير بين الدول، ويصل معدل المعاملات المالية به إلى 42 ألف معاملة يومياً وفقاً لأرقام 2021، بقيمة 140 مليار دولار، وقد استحوذت روسيا على نحو 1.5% من تلك المعاملات.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>3- توظيف النظام ضد خصوم القوى الغربية:</strong> تأسس نظام سويفت بهدف ألا يكون النظام المالي العالمي تحت سيطرة أو احتكار كيان معين، ويشترط كجزء أساسي من قواعده عدم الانحياز إلى أي من الدول الأعضاء. وعلى الرغم من ذلك، فقد لوّح الغرب من قبل بعزل روسيا عن هذا النظام في 2014 في خضم حروب شبه جزيرة القرم التي نجحت الدولة الروسية في ضمها، فضلاً عن حظر إيران بالفعل سابقاً في 2012 من هذا النظام وحتى 2016، مما كبدها خسائر مالية طائلة بلغت ما يصل إلى 30% من تجارتها الخارجية، واستعادة حظرها مرة أخرى في 2018.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">تداعيات محتملة </span></strong></p>



<div style="height:12px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>يُعد التلويح بفصل روسيا عن نظام سويفت المالي بمثابة عزل لها عن نظام التحويلات المالية العالمية، ليس فقط بين الشركات والبنوك، بل وكذلك الحوالات الفردية التي قد يقوم بها المواطنون الروس تجاه أفراد من خارج الدولة. وقد يُلقي ذلك القرار بظلاله ليس على الاقتصاد الروسي فقط، بل وعلى شركائه التجاريين والاقتصاد العالمي بشكل عام، وذلك على النحو التالي:</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>1- تزايد خسائر النظام الروسي الاقتصادية</strong>: سيؤدي هذا الإجراء إلى انكماش الاقتصاد الروسي بنسبة 5%، نظراً لانقطاع الإيرادات الروسية، حيث ستتوقف روسيا عن الحصول على أي أموال نظير أي سلع أو خدمات تبيعها، مثلما حدث مع إيران عندما تم عزل طهران عن سويفت في عام 2012، كجزء من العقوبات المفروضة على برنامجها النووي، وفقدت إيران ما يقرب من نصف عائدات تصدير النفط و30% من التجارة الخارجية.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2- إبطاء حركة التجارة الخارجية لروسيا:</strong> ستعمل العقوبات الجديدة على تخفيض قيمة الروبل الروسي، مما يسهم في خفض قدر كبير من واردات روسيا، وفقدانها نصف سوقها الاستهلاكية بعد حرمان بنوكها الكبرى من نظام سويفت العالمي. وستجد البنوك الروسية المحرومة من الاستفادة من شبكة سويفت صعوبة في التواصل مع البنوك الأخرى على المستوى الدولي، مما سيؤدي إلى إبطاء حركة التجارة ويزيد من تكلفة المعاملات.<strong></strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>3- ارتفاع التكلفة على شركاء روسيا التجاريين:</strong> كما أن فصل روسيا عن هذا النظام المالي العالمي قد تمتد أضراره إلى الدول الأوروبية التي تتعامل معها في علاقات تجارية ومالية، لا سيما الشركات التي تتعامل تجارياً مع روسيا، حيث تمثل روسيا مصدراً مهماً للنفط والغاز الطبيعي لدول الاتحاد الأوروبي، وتحصل الدول الأوروبية على 40% من إمدادات الغاز الطبيعي من روسيا، وتكون المدفوعات عبر نظام سويفت، وهو ما يعني أن هذه المدفوعات قد تتأثر، الأمر الذي يؤثر في عملية اتخاذ قرار بشأن هذه العقوبة على وجه التحديد. وقد يؤدي خروج روسيا من نظام سويفت إلى ارتفاع أسعار النفط والغاز وبعض المعادن التي تصدرها الدولة، وبالتالي ارتفاع أسعار المواد الغذائية، بما ينتج عن ذلك من تغيير اتجاهات التجارة الدولية، وارتفاع التكاليف، ومن ثم ارتفاع المستوى العام للأسعار، وبالتالي ارتفاع معدلات التضخم عالمياً.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>4- تضرر المصارف الأجنبية الدولية في روسيا:</strong><strong> </strong>لدى العديد من المصارف الأوروبية فروع أو شركات تابعة في روسيا، أبرزها "سوسييته جنرال" الفرنسي، و"أونيكريدي" الإيطالي، و"ريفشن بنك إنترناشونال" النمساوي، وستواجه تلك البنوك تراجع قيمة العملة المحلية (الروبل)، وتواجه خطر زيادة التضخم بشكل حاد، وسيكون على هذه المصارف الاستغناء عن بعض عملائها في حال تم تجميد أصولهم. فضلاً عن زيادة الانكشاف الأوروبي على البنوك الروسية،فلدى البنوك الإيطالية والفرنسية استحقاقات بـ25 مليار دولار على روسيا، والنمساوية 17.5 مليار دولار، و14.7 مليار دولار للولايات المتحدة، سيتعين عليها إيجاد طرق بديلة لتحصيل الأموال، مما يسهم في حدوث مخاطر فوضى مصرفية دولية كبيرة للغاية.<strong></strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>5- تداعيات خطيرة على النظام النقدي العالمي:</strong> نظراً لارتفاع حجم الاستثمارات الأجنبية في روسيا، وما يتجاوز الـ20% منها يتم عبر نظام السويفت، فمن ثم ستطال الخسائر والأضرار روسيا ومعظم الدول التي تستخدم هذا النظام بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوربي، كما أن قرار استبعاد بعض البنوك من شبكة سويفت، قد يدفع بعض الكيانات الروسية إلى التحول لبنوك ومؤسسات كبرى متعددة الجنسيات غير خاضعة للعقوبات والتي لها عمليات ضخمة في العملات والبنوك المتصلة بشبكة سويفت لتكون المراكز الجديدة للتعاملات المالية من روسيا مع الخارج، ومثل هذا التحول قد يسبب مشكلة للبنوك العالمية.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">خيارات روسية بديلة</span></strong></p>



<div style="height:12px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>لقد استعدت روسيا مسبقاً للعقوبات الاقتصادية التي قد يفرضها عليها الغرب، من خلال اتخاذ سياسات احترازية لتفادي أو تقليل التداعيات السلبية الناجمة عن تنفيذ قرار حظر روسيا من نظام سويفت العالمي، من خلال ما يلي:</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>1- إنشاء نظام تحويلات مالية محلي:</strong> تعرضت روسيا لعقوبات اقتصادية في 2014 بعد ضمها جزيرة القرم، ومنذ ذلك الوقت أنشأت نظاماً خاصاً بها للدفع باسم نظام تحويل الرسائل المالية "SPFS"، للمدفوعات المصرفية يضم نحو 400 مستخدم، منهم بنوك وشركات روسية وأجنبية، ويبلغ عدد المراسلات على هذه الشبكة نحو 2 مليون رسالة في 2020. ويستهدف البنك المركزي رفع النسبة إلى 30% في 2023، كما أطلقت نظام "مير" للدفع بالبطاقات المشابهة لنظامي "فيزا" و"ماستركارد"، ومن ثم ستكون روسيا قادرة على استخدام أنظمة المراسلة المالية الداخلية والبنية التحتية للدول الصديقة إذا تم تعطيل أنظمة الدفع العالمية سويفت.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2- إقامة علاقات أقوى مع الصين: </strong>قد يوفر نظام الدفع بين البنوك الجديدة في الصين "CIPS"، بديلاً آخر لنظام "سويفت"، وتم الإعلان عن الربط الفعلي بين النظام المالي الروسي والصيني في 2019، كما تم الاتفاق بين البلدين للتعامل بالروبل الروسي، وإتمام بعض الصفقات الكبرى في مجال الطاقة مع الصين بعملات مختلفة عن الدولار الأمريكي، وأيضاً تم التنسيق بينهما في دعم كل منهما لاقتصاد الآخر في مثل هذه الأزمات.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>3- زيادة الاحتياطي الأجنبي الروسي وتنويع مصادره:</strong> عمدت روسيا إلى زيادة احتياطياتها الأجنبية بدرجة غير مسبوقة، فاقت قيمتها 620 مليون دولار، ويمكن استعمال هذا المخزون لتخفيف تداعيات أي ضربة اقتصادية، مما أسهم في ارتفاع سيطرة المركزي الروسي على الوضع المالي للبنوك، وانتظام عمل البطاقات المصرفية بشكل طبيعي، فضلاً عن توفر أموال عملاء البنوك.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>4- الابتعاد التدريجي عن الهندسة المالية الغربية:</strong> من خلال تشجيع الرأسمالية الروسية على إعادة أصولها إلى وطنهم، وإذا قررت روسيا إدارة المدفوعات العابرة للحدود عن طريق نظامها الخاص لتحويل الرسائل المالية بعملات غير غربية، فستضعف أدوات الضغط المالي الغربية على المديين المتوسط والطويل. وقد تضطر الشركات والمؤسسات المالية، ولا سيما التي تعتمد على الغاز الروسي، لإيجاد طرق أخرى للتحايل على قيود "سويفت"، بالعودة إلى طرق الاتصال القديمة، حيث يمكن حل طلبات المعاملات المالية عبر التلكس والمكالمات الهاتفية والبريد الإلكتروني، ولكنها ستكون بوتيرة أقل سرعةً وأماناً.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>5- اللجوء إلى استخدام العملات الرقمية المشفرة:</strong> حيث تعمل الحكومة الروسية على تطوير عملتها الرقمية الخاصة بالبنك المركزي، وهو ما يُسمى بالروبل الرقمي، مما يجعل المدفوعات عن بعد والتسويات عبر الإنترنت أمراً ممكناً، ويمكن للأدوات الجديدة المطورة في روسيا أن تساعد في إخفاء أصل مثل هذه المعاملات، وسيسمح ذلك للشركات بالتجارة مع الكيانات الروسية دون الكشف عنها، وسيسمح للكيانات الروسية بإجراء معاملات خارج النظام المصرفي الدولي مع أي دولة ترغب في التجارة في العملة الرقمية.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>وأخيراً، يمكن القول إنه على الرغم من التداعيات السلبية التي قد تنجم عن الحظر الفعلي لروسيا من نظام سويفت العالمي، فإن نظام سويفت غالباً ما يتم المبالغة فيه كأداة عقاب مؤثرة، حيث إن قطع الوصول إليه يمكن أن يأتي بنتائج عكسية من خلال إجبار روسيا على إيجاد طرق بديلة للمشاركة في الاقتصاد العالمي، ونظراً لتغلب سياسة المصالح على الأزمة، فقد تعلن الدول الغربية عن قائمة تشمل 70% فقط من البنوك الروسية خضعت للمقاطعة، بينما ستكون هناك مجموعة من البنوك تقوم بعمليات التسوية لمدفوعات النفط والغاز المصدر إلى أوروبا. في المقابل، من الممكن أن تتوقف روسيا عن تصدير الغاز لفترة محددة للضغط لإعادة التفاوض، إذ تعتمد أوروبا في 40% من احتياجاتها من الغاز على روسيا، وهي أيضاً أكبر مصدر للحبوب والأسمدة في العالم، بما قد يمكن روسيا من إنهاء العزلة الاقتصادية والعودة إلى الاقتصاد العالمي سريعاً.</strong></p>

      

ما هي خيارات روسيا للتعامل مع العزلة الاقتصادية الدولية؟